السيناريو "حُسِم"... هل كان بالإمكان تجنّب "جريمة" تأجيل الانتخابات البلدية؟!

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

على هامش اشتعال الوضع في المنطقة، بين الردّ الإيراني على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية في دمشق، والردّ على الردّ من جانب تل أبيب، وما ولّده من مخاوف من نشوب حرب إقليمية كبرى، وعلى وقع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وسط تحضيرات مستمرّة لعمليّة على رفح قد تكون تداعياتها كارثية، انشغل اللبنانيون خلال الأيام القليلة الماضية بسجالٍ من نوع آخر، حوره تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية التي كانت مفترضة في غضون أيام.

فعلى الرغم من أنّ سيناريو "التأجيل" شبه محسوم منذ وقت طويل، بدليل أنّ أيّ ماكينات لم تفعَّل بعد، بل إنّ أيّ إجراءات "جدّية" لم تُتّخَذ، بمُعزَل عن مراسيم "رفع العتب"، إن جاز التعبير، التي يصدرها وزير الداخلية والبلدية ويحدّد بموجبها مواعيد "شكلية" للاستحقاق، إلا أنّ حسم "المَخرَج" من خلال اجتماع هيئة مكتب المكتب النيابي، وتحديد موعد جلسة التمديد البرلمانية، كان كافيًا لإشعال السجال الإعلامي والسياسي، ولو من باب "المزايدات".

وقد افتتح رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع "البازار" ببيان ألحقه بتغريدة، حذّر فيهما ممّا وصفه بـ"جريمة إضافية بحقّ لبنان واللبنانيين يرتكبها كلّ من يساهم مرّة ثالثة في التمديد للبلديات"، داعيًا "التيار الوطني الحر" بشكل خاص إلى عدم المشاركة في هذه "الجريمة"، ليردّ عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، متحدّثًا عن "جريمة" من نوع آخر، تتمثّل في "فصل الجنوب عن لبنان"، وفق وصفه، رافضًا أيّ نوع من "التقسيم والفدرالية".

وبين موقف جعجع المؤيد لإجراء الانتخابات، والذي يتبنّاه العديد من قوى المعارضة، التي تنبّه من الشلل الذي أصاب البلديات المنتخبة منذ العام 2014، وموقف بري الممانع، بحجّة قد تكون مقنعة أكثر من ذرائع السنتين الماضيتين، في ضوء "الظروف القاهرة" الناشئة عن "حرب الجنوب"، يصبح السؤال أكثر من مشروع، فهل نحن أمام "جريمتين" متوازيتين ومتكافئتين إن جاز التعبير؟ وهل كان بالإمكان تجنّب تأجيل الانتخابات البلدية فعلاً؟.

في المبدأ، يقول العارفون إنّه وبمعزل عن السجالات الإعلامية والسياسية الحاصلة، والتي تندرج بمجملها في خانة "المزايدات" لا أكثر ولا أقلّ، فإنّ الثابت أنّ سيناريو تأجيل الانتخابات قد حُسم مع تحديد موعد الجلسة التشريعية يوم الخميس المقبل، وأنّ الآلية قد رُسِمت، بالتكافل والتضامن، وربما التواطؤ بين الجميع، بحيث "يضمن" الجميع أنّ مشروع التمديد سيمرّ، وهو ما يشمل المؤيدين والمعارضين، الذين لم يبدأ أيّ منهم تحضيرات "جدية" للاستحقاق.

ولعلّ "خريطة" توزيع القوى السياسية والكتل النيابية التي بدأت معالمها تتبلور شيئًا فشيئًا، تنبئ بسيناريو "مشابه" لجلسة التمديد للمجالس البلدية والاختيارية التي حصلت العام الماضي، علمًا أنّ النواب الذين شرّعوا التمديد لأنفسهم العام الماضي، حاولوا إقناع الرأي العام بأنّ الانتخابات يمكن أن تجري "في أيّ وقت" قبل شهر أيار، وهو ما لم يحصل بطبيعة الحال، ومع ذلك أعادوا "استنساخ" عبارة "الحدّ الأقصى" بحرفيتها في المشروع الجديد.

وإذا كانت مواقف القوى السياسية المؤيدة للتمديد شبه مُعلَنة، وهي تشمل نواب "الثنائي الشيعي"، من "حزب الله" و"حركة أمل"، وبعض النواب المستقلين "المحسوبين عليهم" بصورة أو بأخرى، فإنّ "التيار الوطني الحر" لا يزال يعتمد "الغموض البنّاء" في التعبير عن موقفه، تاركًا حسمه إلى اللحظة الأخيرة، ولو بدا واضحًا من مواقف نوابه أنّها "تمهّد" لهذا التمديد، باعتبار أنّ "التيار" لن يتردّد في التصويت لصالح التمديد، إذا شعر بتهديد "الفراغ" في البلديات.

وبالحديث عن موقف "التيار"، ثمّة من يقول إنّه يريد أن يتأكّد من "خريطة" الكتل السياسية، لمعرفة إن كانت أصواته ضرورية مثلاً ليمرّ المشروع، لأنّ الهاجس الوحيد لديه هو أن "يخسر" على الساحة المسيحية، في ظلّ "مزايدات" خصومه من "القوات" إلى "الكتائب"، علمًا أنّ هناك من يذهب أبعد من ذلك ليقول إنّ تصويت "التيار" لصالح التمديد حُسِم منذ "تحالف" انتخابات نقابة المهندسين، والذي كان "ثمنه" تأييد "الثنائي" في معركة "التمديد".

استنادًا إلى ما تقدّم، يصبح مسلَّمًا به أنّ مشروع التمديد سيمرّ في جلسة مجلس النواب المقبلة، على الرغم من كلّ الاعتراضات، لكن هل من الجائز تصوير كلّ هذه الاعتراضات على أنّها "مزايدات" فعلاً؟ هل يريد جعجع مثلاً فعلاً أن تجري الانتخابات؟ وهل إجراء الانتخابات كان من شأنه تكريس "فدرالية" كما ألمح بري؟ وبين هذا الموقف وذاك، ألم يكن بالإمكان تجنّب التأجيل، الذي باتت أضراره تفوق إيجابياته في ضوء "الشلل" الذي أصاب البلديات؟.

الأكيد وفق ما يقول المطّلعون على الشأن الانتخابي، أنّ التمديد بصورة عامة، هو "جريمة"، بمُعزَل عن الأسباب والدوافع التي يتلطّى خلفها من يتحمّسون له، علمًا أنّ الإيحاء بوجود "ظرف قاهر" قد لا يكون مقنعًا، عندما تكون القاعدة هي "الاتفاق على التمديد ومن ثمّ البحث عن المَخارِج"، بدليل أنّ هذا التمديد ليس الأول، بل الثالث على التوالي، من دون أن يكون هناك "ظرف قاهر" بمستوى "الحرب" في المرّتين السابقتين.

صحيح أنّ معارضة التمديد من دون أيّ إجراءات فعلية لمنعه وتعطيله قد تندرج في خانة "المزايدات"، خصوصًا أنّ أحدًا ليس جاهزًا لإنجاز الاستحقاق اليوم، ولو جاهر بالعكس، لكنّ الخبراء الانتخابيين يتحدّثون عن "ثغرات" في المنطق الذي يعتمده الطرفان، فلا الحرب القائمة في الجنوب والتي تتمدّد يمكن تجاهلها أو القفز فوقها، ولا القول إنّ إجراء الانتخابات في ظلّ هذه الظرف من شأنه تكريس "فدرالية معيّنة" هو واقعيّ.

فعلى المستوى القانوني والإداري، لا يُعتبَر "استثناء" مناطق محدّدة من استحقاق الانتخابات البلدية، "تقسيمًا أو فدرالية"، وفق ما يقول المطّلعون، لعدّة أسباب واعتبارات، أهمّها أنّ القانون لا ينصّ على ضرورة إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في كلّ لبنان في يومٍ واحد، كما هو حال الانتخابات النيابية مثلاً، وذلك بالنظر إلى "خصوصية" كل بلدية، مع وجود "سوابق" في دول عدّة، جرت فيها الانتخابات البلدية في أوقات متباعدة.

إلا أنّ المحسوبين على "الثنائي الشيعي" يرفضون الحديث عن "السابقة" التي جرت في لبنان نفسه، في مرحلة الاحتلال الإسرائيلي، حيث استُثنِيت المناطق التي كانت محتلّة آنذاك لتُجرى الانتخابات البلدية فيها بعد التحرير، وذلك باعتبار أنّ "الظروف" مختلفة، فضلاً عن كونهم لا يرغبون بتكريس انطباع "الفصل" بين الجنوب ولبنان، الذي بدا الجنوبيون يشعرون به في ظلّ غياب "التضامن الوطني" معهم، في "ذروة" الحرب التي تُشَنّ عليهم.

هكذا، يمكن استنتاج العديد من "الثوابت" التي لا تحتمل اللبس، فالأكيد أنّ الوضع الحالي ليس "مثاليًا" لإجراء انتخابات بلدية واختيارية "نموذجية"، لكنّ الأكيد أيضًا أنّه كان بالإمكان تجنّب "جريمة" التأجيل التي تبقي بلديات عاجزة ومشلولة في صدارة المشهد. أما "الثابتة" الأهمّ، فتبقى أنّ "الجريمة جماعيّة"، فسجال الانتخابات البلدية "إعلاميّ" لا أكثر، وقد تحوّل إلى مادة "تسجيل نقاط"، على طريقة "ما كُتِب قد كُتِب، وانتهى الأمر"!.

0 تعليق