صراع الأجيال في روسيا يهدد النظام السياسي في البلاد

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

يعيش أفراد النخبة الروسية حالياً ما بين الخوف والرجاء بشأن التغييرات المتوقعة في أشخاص السلطة، بعد فوز الرئيس فلاديمير بوتين بفترة رئاسية جديدة في مارس الماضي. ويمكن أن يعزز التشكيل الجديد للسلطة نجاحات مجموعة البيروقراطيين الطموحين والفعالين بدرجة كبيرة، ومعظمهم في الستينات من العمر، لكنْ هناك احتمال أن يستبدل الرئيس بوتين مجموعة من البيروقراطيين الأصغر سناً ممن تقل أعمارهم عن 50 عاماً محل طبقة المهنيين المسنين.

وفي تحليل نشرته مؤسسة كارنيجي لأبحاث السلام الدولي، يقول الكاتب الروسي ديمتري بيرتسيف إنه أياً كانت الفئة العمرية التي سينحاز إليها الرئيس، فإن أي تغيير واسع النطاق لأفراد السلطة سيخلق «جيلاً مفقوداً» من النخبة التي تفتقر لآفاق حقيقية داخل هيكل السلطة الرأسي في روسيا. في الوقت نفسه، فإن هذه المعركة الصامتة بين الأجيال في روسيا تهدد نظام الحكم نفسه، رغم أن بوتين هو الذي خطط لها بنفسه.

ويمكن القول إن هناك ثلاثة أجيال مختلفة داخل النخبة الروسية الحاكمة. المجموعة الأولى تضم أشخاصاً في السبعينات من عمرهم تقريباً، وهم يشكلون أساساً أعضاء في الدائرة الداخلية لبوتين التي تسيطر على الموارد الرئيسة، وتشغل المناصب العليا، وتترأس الأجهزة الأمنية، وينحدر العديد من أفراد هذه المجموعة من مدينة سان بطرسبرغ، ويرتبطون بعلاقات ممتدة مع الرئيس بوتين منذ سنوات عملهم في حكومة المدينة في التسعينات، أو أثناء العمل مع بوتين في أجهزة المخابرات الروسية.

ومن أبرز أعضاء هذه المجموعة كوفالشوك، والأخوان روتينبرج، وأمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي بتروشيف، ومدير مكتب الأمن الفيدرالي ألكسندر بوتنيكوف، ووزير الدفاع سيرغي شويغو. ويمكن مقارنة هؤلاء بالمساهمين الرئيسين أو أعضاء مجلس الإدارة في الشركات الكبرى، وهؤلاء يدركون أن وقت رحيلهم عن السلطة سيأتي قريباً، لكنهم يريدون البقاء في مناصبهم أطول وقت ممكن، ثم توريث هذه المناصب إلى ورثتهم.

أما المجموعة الثانية فتتكون من بيروقراطيين طموحين في الستينات من عمرهم، والكثيرون منهم وصلوا سقفهم المهني، ويريدون تجاوزه. وعند مقارنتهم بالعاملين في الشركات، فهم يمثلون كبار المديرين الذين يختارهم المساهمون. وخلال سنواتهم العديدة في العمل المهني، فإنهم يعرفون عموميات وخصوصيات الشركات، كما تعرّفوا إلى أعضاء مجلس الإدارة، وربما يستحوذون أحياناً على بعض الأصول.

تضم هذه المجموعة رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، وعمدة موسكو سيرجي سوبيانين، والنائب الأول لرئيس الأركان سيرجي كريينيكو، ونائب رئيس الوزراء يوري ترونيف، وغيرهم كثيرون.

والهدف الرئيس لهذا الجيل ليس فقط المحافظة على مناصبهم الرفيعة، بل أيضاً ضمان الحصول على المقابل المناسب لإنجازاتهم، بالحصول على مناصب أعلى، أو حتى الانضمام إلى مجلس الإدارة. ويمكن أن يصبح «مدير كبير» محظوظ رئيساً لمجلس الإدارة، عندما يصبح المرشح الذي يحظى بالإجماع على خلافته للرئيس الحالي.

أما المجموعة الجيلية الثالثة فتتكون من السياسيين والمسؤولين في الأربعينات من عمرهم، بمن في ذلك بعض «الأمراء» مع المستفيدين في المجموعة الأكبر سناً والبيروقراطيين الطموحين، الذين يشغلون حالياً أدواراً ثانوية أو ثالثة، لكنهم يصنعون بالفعل أسماء لأنفسهم، ويريدون المضي قدماً إلى الأمام. وفي إطار المقارنة بالشركات، يمكن القول إن هذه المجموعة تمثل ورثة أعضاء مجلس الإدارة، والأشخاص الذين قضوا حياتهم المهنية بأكملها في الشركة، وهم مخلصون لها، ولا يعرفون أي قواعد أخرى للعبة.

ويضم هذا الجيل وزير الزراعة ديمتري بتروشيف، نجل رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، وأندريه تورشاك أمين عام حزب روسيا الموحدة، وماكسيم أورشكين المستشار الاقتصادي للرئيس بوتين، إضافة إلى العديد من حكام الأقاليم في روسيا.

وأصبح الصراع على المصالح المتضاربة بين الأجيال الثلاثة أشد حدة، والسبب الرئيس في ذلك هو سياسات بوتين المحافظة للغاية في شؤون الموظفين، وتخصيص الموارد في السنوات الأخيرة. فالتدفقات المالية، والموارد الفرعية، والشركات الحكومية الرئيسة، وهياكل إنفاذ القانون، كلها تخضع لسيطرة أعضاء دائرته الداخلية، المجموعة الأقدم. وفي الوقت نفسه، ظل معظم أفراد الجيلين الثاني والثالث في مناصبهم لأكثر من عقد من الزمن، بمن في ذلك هؤلاء الذين حصلوا على وعود بالحصول على مناصب أعلى أو سلطة أكبر.

ففي 2020، أجرى بوتين تغييراً حكومياً، لكن التغيير كان محدوداً، ويعكس فقط الركود في الحكومة. والآن أطلقت انتخابات الرئاسة الروسية الأخيرة عملية إعادة تأكيد للسلطة الرئيسة. وقد نرى تغييرات، ليس فقط في الحكومة، وإنما أيضاً داخل مؤسسة الرئاسة نفسها، وفي شركات الدولة، ومؤسسات إنفاذ القانون، وفي المجلس الاتحادي (الغرفة العليا للبرلمان الروسي) وحكومات الأقاليم. كل هذا يفاقم صراع الأجيال، خصوصاً بين الجيلين الثاني والثالث، فهناك معركة قادمة، والخاسرون سيشكلون جيلاً مفقوداً.

ومن الناحية النظرية، تفيد أي منافسة داخل النخبة أي نظام سياسي من خلال إرغام أعضائها على التحلي بأكبر قدر من الكفاءة والفعالية. وفي الوقت نفسه، يحل اللاعبون الأصغر سناً محل الأكبر سناً تدريجياً، في حين يسعى البيروقراطيون المتحمسون، الذين هم في منتصف العمر، للبقاء في مناصبهم.

ويقول الكاتب الروسي بيرتسيف إنه رغم ذلك، ولكي يكون هذا الوضع مفيداً، يجب أن تكون المنافسة مستدامة وطبيعية، وتلتزم بقواعد واضحة، وهو أمر غير متحقق في حالة روسيا الدولة المفتقرة للشفافية، وتخضع للمحسوبية، حيث يمكن أن تخرج المنافسة عن السيطرة، عندما تفقد النخبة جيلاً كاملاً أو تخشى فقدانه.

• قد نرى تغييرات ليس فقط في الحكومة، وإنما أيضاً داخل مؤسسة الرئاسة نفسها، وفي شركات الدولة، ومؤسسات إنفاذ القانون، وفي المجلس الاتحادي (الغرفة العليا للبرلمان الروسي)، وحكومات الأقاليم، وكل هذا يفاقم صراع الأجيال. فهناك معركة قادمة، والخاسرون سيشكلون جيلاً مفقوداً.

• أي تغيير واسع النطاق لأفراد السلطة سيخلق «جيلاً مفقوداً» من النخبة التي تفتقر لأي آفاق حقيقية داخل هيكل السلطة الرأسي في روسيا. وفي الوقت نفسه، فإن هذه المعركة الصامتة بين الأجيال في روسيا تهدد نظام الحكم، رغم أن بوتين هو الذي خطط لها بنفسه.

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

0 تعليق